منذ فجر الحضارات، ارتبطت الشهرة بالعلماء والمصلحين والقادة، إذ ذاك كان المجد ثمرة عطاء حقيقي أو تضحية صادقة، أما في زمننا الرقمي، فقد تغيّر ميزان النجومية؛ إذ يكفي مقطع عابر أو تحدّ سخيف ليصنع من صاحبه “مؤثرا” تتسابق الأعين إلى متابعته، وكأن الشهرة اليوم تُمنح للظهور لا للقيمة.
في فضاءاتنا المحلية، صار معيار البروز لا يُقاس بما يضيفه المرء من فكر أو نفع، بل بعدد المشاهدات والإعجابات، وفي هذا السياق يحضر قول الله تعالى: ﴿أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾، وكأنها إشارة إلى أن الكثرة قد تكون مجرد ضجيج لا يحمل مضمونا.
سوسيولوجيا، يفسَّر هذا بما أسماه بيير بورديو “رأس المال الرمزي”، حيث لا يُمنح الاعتراف الاجتماعي بناء على الجدارة دائما، بل على ما يراه الجمهور جديرا بالتصفيق، وهو ما يلتقي مع وصف “جي ديبور” لـ”المجتمع الاستعراضي”، حيث تتحول الحياة نفسها إلى مشهد، وتختزل القيمة في قدرتها على أن تعرض وتُشاهد.
وقد عبّر شوبنهاور عن هذه المفارقة حين قال: “الشهرة التي تسبق القيمة أشبه بظل يسبق الجسد” وهي حال كثير من نجوم المنصات الذين يسطع بريقهم سريعا، ثم يخفت لأنهم لم يحملوا ما يُغذِّي عقول الناس ووجدانهم.
والسؤال الجوهري: هل نريد أن نصنع من الشهرة وسيلة لبناء الوعي، أم نتركها ساحة للفراغ والاستعراض؟ فالنجومية الرقمية ليست شرًّا محضا؛ فقد تكون منبرا لنشر المعرفة والخير، شريطة أن تُقرن بالقيمة الحقيقية، لا أن تُختزل في لعبة أرقام عابرة.

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *