تعيش البيوت هذه الأيام على إيقاع الامتحانات، التي لم تعد ورقة توزع في القسم ثم تطوى في المساء، بل صار موسما كاملا من التوتر يشمل الطفل ووالديه معا، ففي زمن الكراس وحده كان الأولياء يراقبون ساعة المراجعة، ويقلبون صفحات الدروس، أما اليوم فقد انتقلت المراجعة إلى شاشة صغيرة تحمل عالما لا يعرفون حدوده ولا يملكون مفاتيحه.
يدخل التلميذ غرفته بحجة مشاهدة دروس اليوتيوب، فيجد نفسه بين شرح مفيد ومحتوى مشتت، وبين قنوات تعليمية جادة وخوارزميات تقترح عليه كل ما يسرق انتباهه، بينما لا يدري الأولياء أيتابع ابنهم درسا في الرياضيات أم ضاع في دهاليز المقاطع القصيرة، إنها فجوة رقمية جعلت كثيرا من الآباء يشعرون أن أبناءهم يراجعون لغة لا يجيدونها.
وتزداد الحيرة حين تتحول مجموعات الواتساب المدرسية إلى قاعات ظل موازية للمدرسة، يتبادل فيها الأولياء أوراق الامتحانات السابقة، وبرامج المراجعة، وحتى صور حلول التمارين، فيشعر بعضهم بالذنب إن لم يلتحق بالسباق، وكأن التقصير لم يعد في متابعة الكراس، بل في متابعة إشعارات الهاتف، هنا يصبح الامتحان اختبارا لضمير الأسرة كما هو اختبار لجهد الطفل.
ومع أن التكنولوجيا منحت أبناءنا فرصا واسعة للوصول إلى المعرفة، فإنها حملت إلينا نوعا جديدا من الإنهاك التربوي، إنه تعب المراقبة الدائمة، وتعب المقارنة بين طفل يملك جهازا حديثا واتصالا سريعا، وآخر يكتفي بكتاب ودفتر، فيتسلل سؤال العدالة إلى قلب كل أب وأم: هل نتحدث فعلا عن نفس خط الانطلاق؟
لهذا صار لزاما على الأولياء أن يعيدوا تعريف دورهم، لا كحراس على الأزرار والشاشات، بل كرفاق في طريق التعلم، يحددون مع أبنائهم أوقاتا واضحة للمراجعة الرقمية، ويظلون أوفياء للكراس والكتاب والنقاش الهادئ حول طاولة البيت، فامتحانات اليوم لا تقيس مستوى التلاميذ فحسب، بل تكشف أيضا عن قدرتنا نحن الكبار على التكيّف مع زمن جديد دون أن نفرط في جوهر التربية ومعنى النجاح الحقيقي.


لا تعليق