باتت الشاشات اليوم ملاذا يوميا لآلاف الشباب، لا سيما في مجتمعنا المحلي، حتى غدت مواقع التواصل الاجتماعي بديلا شبه كامل للتواصل الواقعي، فلم يعد الهاتف الذكي مجرد أداة تواصلية، بل صار نافذة يقضي خلفها البعض ساعات طوالًا، ينسحبون من صخب العالم الملموس إلى سكينة العالم المحسوس.
إن هذا الميل المتزايد نحو “الهروب الرقمي” لا يمكن فصله عن التحولات السوسيو رقمية التي أعادت تشكيل أنماط التواصل الإنساني، فالتطبيقات الحديثة لا توفر فقط الترفيه، بل تمنح شعورا بالانتماء لجماعات افتراضية، وتتيح خلق هوية رقمية “مثالية” قد تعوض هشاشة الواقع وضغوطه.
من منظور علم الاجتماع الرقمي، فهذا الانغماس المستمر يعكس محاولة للبحث عن فضاءات أكثر قبولا وأقل حكما وأقل توجيهات وأوامرا، حيث يجد الشاب حرية القول والظهور بعيدًا عن القيود الاجتماعية، بيد أن هذه الحرية المفرطة لا تخلو من تبعات أخرى كالعزلة التدريجية، وتراجع التفاعل الوجاهي، وفتور العلاقات الحقيقية.
لقد صار سؤال “هل نعيش حياتنا أم نصوّرها؟” أكثر إلحاحا، وإذا استمر الهروب إلى الشاشة كخيار افتراضي دائم، فسنجد أنفسنا أمام جيل يتقن التواصل الافتراضي، لكنه يفتقد إلى مهارات الحوار الواقعي وبناء العلاقات الحية.
إن إعادة التوازن بين “الواقع” و”الافتراض” ليست رفاهية، بل ضرورة تمسّ صحتنا النفسية والاجتماعية، فالفضاء الرقمي جميل بقدر ما يبقى وسيلة اضافية، لا بديلا عن عالم نحتاج أن نعيشه بوجوهنا لا بشاشاتنا.

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *