منذ القدم كان للكلمة سلطانها؛ فهي قد تُصلِح أو تُفسِد، ترفع أو تهدم، لكننا في عصر الشبكات الرقمية صرنا أمام سرعة لا عهد للبشر بها، كلمة تكتب في زاوية معتمة من فضاء افتراضي، قد تنتشر في لمح البصر، حتى تلتبس على الناس الحقائق بالباطل، وهنا تستحضر ما جاء في سورة النور ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ﴾، وكأن الوحي وصف حالتنا الراهنة منذ قرون.
محليا، يكفي إشاعة خبر كاذب أو صورة مفبركة حتى يتحول إلى قضية رأي عام، يتناقلها الناس بانفعال ويُبنى عليها موقف وسلوك، ثم لا يلبث أن يتضح زيفها بعد أن تكون قد خلّفت أثرا في النفوس وأحدثت شرخا في العلاقات، فلقد أضحى المجتمع الرقمي مرآة لتأثير ما يسميه علماء الاجتماع بـ”العدوى الاجتماعية”، حيث ينساق الأفراد وراء المعلومة المتداولة دون تمحيص، لأن قوة التكرار تمنحها مشروعية زائفة.
وقد نبّه “والتر ليبمان” في كتابه الرأي العام، إلى أن البشر لا يرون العالم كما هو، بل عبر “الصور الذهنية” التي تُبنَى لهم، وهو ما نلمسه اليوم بوضوح؛ فالشائعة ليست مجرد خطأ عابر، بل آلية لصناعة واقع وهمي قد يوجّه سلوك الجماعات بأسرع مما تفعله الحقائق الصلبة.
إن مجابهة المعلومة المزيّفة لا تكون بالمنع وحده، بل بترسيخ مَلَكَة التمييز والنقد، فالمجتمع الذي لا يحسن القراءة بين السطور يظل رهينة الإشاعة، بينما المجتمع الواعي يجعل من الكلمة لَبِنَة بناء لا مِعوَل هدم.


لا تعليق