جدرانًا، والسبورة لم تعد خشبة، والمعلم اليوم ليس وحده من يملك مفتاح المعرفة، لقد دخل “الذكاء الاصطناعي” الصفوف من أوسع أبوابها، يكتب، ويصحّح، ويقترح، حتى خُيّل للبعض أن زمن المعلّم البشري قد ولّى، وأن “الروبوت” سيعتلي المنبر.

لكن؛ أيمكن للتقنية أن تُنبت في الطفل روح الفضول؟ أو تُوقظ في قلبه شرارة القيم؟ فالمعلّم الحقيقي ليس من يُلقِّن المعلومة، بل من يُضيء الطريق نحوها، فالمعرفة تُستنسخ، أما الحكمة فتُستوحى من روح الإنسان وحده.

ويفرض هذا التحوّل إعادة تعريف دور المعلّم: من ناقل للمعرفة إلى موجِّهٍ وناقدٍ ومرشدٍ للتفكير. فحين تصبح المعلومة متاحة بضغطة زر، تغدو المهمة الأسمى هي تمييز الصحيح من الزائف، لا جمع الحقائق، وهنا تستعاد مكانة المعلم، لا بوصفه موسوعة، بل ضميرًا معرفيًا يوجّه وعي الأجيال.

لقد نبّه ألفين توفلر إلى أن “الأميّ في القرن الحادي والعشرين ليس من لا يقرأ، بل من لا يستطيع أن يتعلّم وينسى ويعيد التعلّم”، فالذكاء الاصطناعي ليس خصمًا، بل شريكا يتطلب معلما أكثر وعيا ومرونة وقدرة على النقد والتأمل.

إن المدرسة التي لا تُدخل الذكاء الاصطناعي إلى برامجها، مهددة بالتقادم، لكن الأخطر أن تُدخله دون وعي أخلاقي يضبطه، فالمستقبل لا يُصنع بالآلات وحدها، بل بالعقول التي تُحسن توجيهها، وبالقلوب التي تُدرك أن التعليم رسالة قبل أن يكون مهنة.

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *